إمتزاج الشعائر الدينية بفسيفساء العادات والتقاليد
تحقيق سماح خميلي
يقال أن لعيد الأضحى الجزائري نكهات خاصة، تمتزج فيها الشعائر الدينية بفسيفساء العادات والتقاليد، التي تختلف من منطقة إلى أخرى وتتلون بطبوع أهلها، وإن اتفقت على صنع أجواء خاصة قلّمَا يعيشها المواطن خلال عام بأكمله.
وباقتراب عيد الأضحى تنتشر أسواق المواشي في جميع الولايات وفي أحياء متعددة، حتى يكاد يكون في كل حي سوق، ولا حديث عن السعر المعقول أو المناسب رغم كثرة الموالين برؤوس أغنامهم، وطمأنة رشيد بن عيسى الوزير المنتدب المكلف بالتنمية الريفية الذي يرى أن الأسعار هذا العام منطقية وأنه من العادي جدا أن يكون سعر الخروف بـ 17 ألف دينار جزائري مقابل 650 دينار للكيلوغرام، في حين يرى المواطنون أن الأسعار ملتهبة وتفوق قدراتهم الشرائية.
--------------------------------------------------------------------------------
في الجزائر يصبح تنقلك إلى سوق الماشية أمر مفروض بل هو سنة مؤكدة تكاد تكون أوكد من الأضحية نفسها!! وعليك أن تتجول في أكثر من سوق وبين أكثر من تاجر حتى تختار ما يناسبك ودراهمك هي من تحتم عليك ما هو مناسب
--------------------------------------------------------------------------------
وفي الوقت الذي تهتم فيه الدول الإسلامية بمواطنيها في مثل هذه المناسبات،حتى لا يقعوا عرضة للاحتيالات والمزايدات غير المشروعة إلى درجة أن أكثرها اليوم سهلت مسألة شراء أضحية العيد فجعلتها عن طريق الإنترنت أو الهاتف... فيكفي أن تحدد المواصفات وتختار السعر المناسب لتحظى بها بأقل عناء وأنت في بيتك، أما عندنا في الجزائر فإن تنقلك إلى سوق الماشية أمر مفروض بل هو سنة مؤكدة تكاد تكون أوكد من الأضحية نفسها!! وعليك أن تتجول في أكثر من سوق وبين أكثر من تاجر حتى تختار ما يناسبك ودراهمك هي من تحتم عليك ما هو مناسب.
وتعتبر أغنام منطقة أولاد جلال (جنوب الجزائر) هي المطلوبة على المستوى الوطني وتصل شهرتها الدول المجاورة لهذا يتفانى المهربون في توصيلها لهم، لكونها تمثل الأفضلية في النوع ولحمها طيب، وتليها ولاية الجلفة التي تمتلك 30 من المواشي على المستوى الوطني، بينما تتراوح الأسعار بين 14 ألف دينار و20 ألف للخروف العادي و الجيد منه يبدأ من 25 ألف دينار ليصل عند أجوده إلى 40 ألف دينار وقد يزيد على ذلك، وبهذا نكتشف من خلال عملية حسابية بسيطة أن الكيلوغرام الواحد للحم يتجاوز الألف دينار باعتبار أن وزن اللحم الصافي لأحسنها لا يتجاوز 18 كيلوغرام، ليشوى المواطن بهذه الأسعار قبل شي اللحم.
--------------------------------------------------------------------------------
من المفارقات التي سجلناها وصول ثمن بعض الكباش إلى 32 ألف دينار بعودة ظاهرة التحريش بين الكباش والرهان على ذلك، فالأضحية عندنا لم تعد تعظيما لشعيرة من شعائر الله وإدخال السرور على الأطفال والتوسعة على الأهل، بل لنا فيها مآرب أخرى؟!
--------------------------------------------------------------------------------
من المفارقات التي سجلناها وصول ثمن بعض الكباش إلى 32 ألف دينار بعودة ظاهرة التحريش بين الكباش والرهان على ذلك، فالأضحية عندنا لم تعد تعظيما لشعيرة من شعائر الله وإدخال السرور على الأطفال والتوسعة على الأهل، بل لنا فيها مآرب أخرى؟!
العادات الجزائرية
بين البركوكس وقصعة المسلان
أكثر ما يميز اليوم الأول من العيد الكبير كما نسميه (قصعة المسلان) التي تتنافس النسوة في إخراجها ومن تظفر بالمبادرة أولا تتوج (إمرأة ونصف) بتزكية من المدعوين وكذلك (بولفاف) وهو عبارة عن قطع صغير من الكبد تلف بالشحم وتشوى.. دون تجاهل (المصلي) وهو تحمير الخروف بأكمله دون تقطيعه، ويقوم بهذا قلة من الأسر الجزائرية والبركوكس أو العيش بقطع العصبان والبركوكس هو نوع من العجائن يشبه الكسكسي لكنه خشن جدا ، فتقول السيدة حورية عابد التي إلتقيناها بأحد محال بيع الأواني وهي طبيبة" أنا هنا لشراء بعض السكاكين وشواية وكما ترون فإن أكثر النساء يفضلن سكاكين جديدة لهذا فالتجارة الرائجة في عيد الأضحى هي تلك التي تتعلق بكل ما نحتاجه فيه بدء من الحبل إلى المنشار لتقطيع (الذبيحة) إلى السكاكين وما إلى ذلك، وإذا تحدثنا عن العادات التي تميز هذا العيد فهي كثيرة تختلف حسب المناطق والعائلات وما يجمعنا هو شي أو قلي اللحم لكل زائر يزورنا في العيد حتى وإن كان وقت الزيارة في غير مواعيد الأكل كالغداء والعشاء، والحمد لله (مزالنا بخير)".
وترى الحاجة زينب لفتاحة وهي عجوز في الخامسة والستين أن أكثر العادات اندثرت وبقيت بعض الأسر فقط تحافظ عليها كعادة ( المسلان) التي كانت بمثابة مسابقة بين النسوة و(الشاطرة) من تخرجه أولا فوق طبق الكسكسي، وتدعو الجيران والأهل وأضافت الحاجة زينب " نساء اليوم يتسابقن إلى الحلاقات وتجميل أنفسهن كالعرائس بينما ينسين حق الضيوف، وحتى بعض الفقراء ممن لا يستطيعون شراء أضحية أصبحوا لا يقبلون ما نقدمه لهم، أيام زمان كنا كالأسرة الواحدة نستطعم بعضنا البعض ونكفل الفقراء إلى درجة أنهم يحصلون على كميات من اللحم تفوق ما يحصل عليه المضحي.. اليوم الجار لا يسأل عن جاره والأخ لا يهتم لأمر أخيه وروائح الشواء تنتشر والفقير يتحسر ولا أحد يحس به (ربي يلطف) أدعو الله أن يكون هذا العيد عيدا متميزا يحمل الخير للبلاد ولنا جميعا (وصحة عيدكم)".
وتخالفها الرأي السيدة عيدة حيث تقول" بعض العادات سيئة، ومرهقة لذا فإن تجاهلها بالنسبة لربات البيوت يعود لكونها عبئ يضاف إلى كثرة الأشغال في عيد الأضحى، ومع ذلك هناك من العادات التي لا يمكن نسيانها كزيارة الوالدة وأم الزوج وتخصيص الفخذ لكل منهما وكذا شي (البولفاف) الذي هو عادة تختص بها قبائل كثيرة من الجزائر ولا يمر العيد دونها ويجب أن يتذوقه جميع أفراد الأسرة، وطبق الكسكسي والشخشوخة والعصبان والبكبوكة علما أن هذه الأكل تقليدية وتطبخ في هذا العيد بكثرة.. إننا نحاول أن نحافظ على جزائريتنا مع الانفتاح على أكلات جديدة وأمور أيضا...".
إستغلال.. غلاء.. والأضحية لابد منها؟!
--------------------------------------------------------------------------------
التجار لا يألون جهدا في استغلال الفرصة كما ينبغي أمام غياب ملحوظ لهيئات مراقبة الأسعار فالجشع وحده هو الذي يتحكم في بورصة المواطن الذي تنخفض أسهمه مقابل ارتفاع رهيب لأسهم المعيشة التي أقل ما يمكن أن نصفها به أنها باتت صعبة للغاية
--------------------------------------------------------------------------------
جعلنا وجهتنا التالية بعض الأسواق لنتحسس عن قرب واقع الأسرة الجزائرية خلال مناسبة كهذه، حيث تشهد الأسواق حركة غير معتادة وكثيفة للمتسوقين، ولا خوف من الظروف غير الملائمة وشح الجيوب فالكل يشتري، وإن لزم الأمر اقتراض بعض المال لتمر المناسبة على خير، وهذا ما يشجع التجار الذين لا يألون جهدا في استغلال الفرصة كما ينبغي أمام غياب ملحوظ لهيئات مراقبة الأسعار فالجشع وحده هو الذي يتحكم في بورصة المواطن الذي تنخفض أسهمه مقابل ارتفاع رهيب لأسهم المعيشة التي أقل ما يمكن أن نصفها به أنها باتت صعبة للغاية.
فيقول السيد عبد الهادي غضبان وهو مواطن بسيط يعمل في شركة خاصة معلقا" منذ شهور ونحن نقوم بادخار بعض المال من الراتب لشراء كبش العيد، حتى يفرح أطفالي مثل جيرانهم، من المعروف أن أضحية العيد سنة مؤكدة، لكن بصراحة ما يدفعنا اليوم لذلك هم الأطفال إضافة طبعا لكونها سنة وشعيرة من شعائر الله التي يجب تعظيمها كما أمرنا الله عز وجل لأن ذلك من تقوى القلوب، أما ملابس العيد فلا نولي اهتماما كبيرا بها في العيد (الكبير)،إلا بعض الأسر المقتدرة، فمعظمنا يخبئ ملابس عيد الفطر لهذه المناسبة، فالكبش يأخذ الكثير وهو أهم من الملابس والحلويات"
أما السيدة حفصية فترى أن العيد يأتي جالبا كل البركة فتقول" من النادر جدا أن تجد أسرة جزائرية تخلت عن سنة الأضحية إلا أن تكون الظروف قاهرة وكما نقول (زيت في كل بيت)، وهنا تختلط الرغبة في تطبيق السنة مع الحرص على فرحة الأطفال، والتفاخر أيضا بين الجيران والأقرباء، ومن لم يستطع فلا مفر من شراء بعض الكيلوغرامات من اللحم رغم غلائه هو الآخر، وإن كنا لا نولي بالا للأسعار المهم أن نعيش أجواء العيد وإن كانت مكلفة".
مع أن كلمة غلاء وكل مرادفاتها تكررت على مسامعنا مرات غير معدودة، إلا أن الأسواق المأهولة، لا تعكس الواقع وهذا ما أكدته لنا حبيبة بن عبد الرحمان التي علقت بقولها"أنا وأسرتي حريصون جدا على أن يكون العيد بحلة جديدة مللنا من أجواء الكآبة والضحك المصطنع والهموم، لهذا فإن العيد فرصة حقيقية للترويح والبحث عن السعادة ولو بأبسط الأمور (الدراهم تروح وتجيء) بينما السعادة أصبحت عملة نادرة ها نحن نتقنصها بين عيد وآخر"!!
الجمعة سبتمبر 26, 2008 6:21 pm
